الصحة والجمال

المكملات الغذائية صارت آفة خطيرة في تونس


       

 يعتمد الكثيرون على المكملات الغذائية كمصدر رئيسي لبعض العناصر التي يحتاجها الجسم، لكن الظاهرة باتت تتسم بالخطورة في تونس مع تزايد بيع المكملات الغذائية والتداوي بالأعشاب على الإنترنت وما يمثّله ذلك من مخاطر على صحة المواطن.

وندّدت الكاتبة العامة للمجلس الوطني لهيئة الصيادلة ثريا النيفر في لقاء إذاعي مع “موزاييك” هذا الأسبوع بهذه الظاهرة وقالت إن “وزارة الصحة تعمل حاليا على سن قانون ينظم صنع وبيع المكملات الغذائية، بعد انتشار هذه الظاهرة بشكل ملحوظ وخطير.”

وأفادت بأنّ “عملية بيع المكملات الغذائية على الإنترنت عرفت ارتفاعا بشكل مفاجئ بعد الحديث عن إصدار القانون المنظم لها، وبلغت حد التحايل على المواطن، خاصة في ما يتعلق بالأدوية التي يدعون أنها مكونة من الأعشاب وأنها نافعة لعدة أمراض في الوقت ذاته.”

ودعت إلى التسريع في إصدار القانون المنظم لبيع هذه المكملات وصنعها، وتقنين بيعها على الإنترنت، وفي المقابل حضت المواطن على عدم التهاون في أمور صحته وطلب النصيحة من الصيدلي قبل اقتناء أي مكمل غذائي.

وعقدت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، في يونيو الماضي، جلسة برلمانية للاستماع إلى ممثلين عن المجمع المهني لصناعة المكملات الغذائية ومواد التجميل الجلدية التابع لكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية، بشأن مقترح القانون المتعلق بصناعة المكملات الغذائية.

وأكد رئيس المجمع المهني لصناعة المكملات الغذائية ومواد التجميل الجلدية هيثم ناصف، في تدخله خلال الجلسة، أنّ “صناعة المكملات الغذائية ومواد التجميل الجلدية قطاع واعد في تونس،” مفيدًا بأنه يضم حاليًّا قرابة 70 مؤسسة تنشط في هذا المجال منها 45 مؤسسة منضوية تحت المجمع المهني لصناعة المكمّلات الغذائية ومواد التجميل الجلدية وتوفر حوالي 70 في المئة من حاجيات البلاد التونسية وتساهم في دعم الاقتصاد التونسي، حسب ما جاء في بيان صادر عن مجلس نواب الشعب.

ويتم تصدير جزء من المُنتج إلى العديد من الدول منها بلدان المغرب العربي وبعض البلدان الغربية والخليجية، وأضاف ناصف أنّ هذا القطاع، رغم أهميته الاقتصادية والاجتماعية، يعاني من غياب قانون ينظّمه أو هياكل مؤهلة لمراقبة الجودة على عكس العديد من الدول التي ضبطت الإطار القانوني لهذا النوع من المنتوجات بكل دقة، حسب ما جاء في مداخلته.

ويعرف مشروع القانون المكملات الغذائية بأنها مواد شبه طبية تضم منتجات العناية وحفظ الصحة التي يمكن ترويجها وتسويقها دون الحاجة إلى أي وصفة طبيّة.

وتشمل المواد الغذائية التي تهدف إلى إكمال النظام الغذائي العادي والتي تشكل مصدرًا مركزًا للعناصر الغذائية أو كل المواد الأخرى التي تحمل هدفًا غذائيًا أو فيزيولوجيًا بمفردها أو مجتمعة.

وأكد ممثلو المجمع المهني أنّ النص المعروض يمثل فرصة لكسب رهان صناعة المكملات الغذائية التي يتمّ استخراجها من نباتات طبية مهمة يقع تصديرها بأثمان زهيدة ثم تقوم تونس باستيراد المكملات الغذائية التي يتم تحويلها وتصنيعها في الخارج بالعملة الصعبة، مشددين على ضرورة تجاوز هذا الأمر في المستقبل خاصة مع وجود الكفاءات الوطنية القادرة على تطوير مثل هذه الصناعة.

إقبال التونسيين على المكملات الغذائية هو موضة طبية ساهمت فيها الدعاية السيبرانية

وتسُوق المكملات الغذائية في شكل جرعات، تأتي في أشكال فموية مختلفة مثل الكبسولات والأقراص والحبوب والأشكال المماثلة الأخرى، بالإضافة إلى أكياس المسحوق والزجاجات المحتوية على سائل وزجاجات مزودة بعداد قطرات وأشكال مشابهة أخرى من المستحضرات السائلة أو المساحيق المصممة للاستهلاك بكميات قليلة ومقاسة، وفق ما ورد في نص مقترح القانون.

وأكد رئيس اللجنة أهمية مقترح القانون المعروض باعتباره يهدف إلى سد فراغ تشريعي في مجال صناعة المكملات الغذائية التي تتزايد أهميتها الاقتصادية يومًا بعد يوم، خاصة منذ جائحة كورونا، بالإضافة إلى علاقتها المباشرة بصحة المواطن.

ونشأت في السنوات الأخيرة داخل المجتمع التونسي ظاهرة سرعان ما تمددت وانتشرت بين الناس، خصوصًا عقب نهاية ما يعرفُ بـ”سنوات الكوفيد” (كورونا)، وهي الإقبال بشراهة على المكملات الغذائية قصد تعزيز المناعة وتقوية بنية الجسم. وتبرز الظاهرة أكثر فأكثر مع اقتراب الامتحانات الوطنية الكبرى الإعدادية والثانوية وامتحانات طلبة الجامعات.

واعتمدت أغلبية العائلات التونسية هذه المكملات الغذائية وأصبح لديها فهم حول نوعيتها ومكوناتها والمصانع التي تنتجها وانعكاساتها على الجسم. وذلك من أجل مساعدة أبنائها على النجاح والتفوق. فأغلبهم يبحثون عن جودة مكملات بعينها تُعنى بالتركيز وإزالة التعب والتوتر، ويبذلون المال الوفير من أجل ذلك، كما انتشرت بتونس في أغلب المدن والضواحي محلات شبه صيدلانية تقدم هذه المكملات إلى المواطنين من دون تراخيص طبية.

موسم مزدهر

ويرى مختصون أن موضوع الإقبال الشديد على المكملات الغذائية من قبل التونسيين قبيل الامتحانات يأتي ضمن ظاهرة عالمية تتحكم فيها شركات تجارية عابرة للقارات وشركات الإعلانات والترويج عبر الإنترنت، وذلك من أجل تحقيق هيمنة تامة على المجتمعات ومن ثمة عولمتها وتكريس مفهوم الإنسان ذي البعد الواحد وتدمير الخصوصيات الثقافية بما فيها الخصوصيات الغذائية.

ويعتبرون أن إقبال التونسيين على المكملات الغذائية هو نوع من الموضة الطبية التي ساهمت فيها الدعاية السيبرانية، وما غزوها لحقل التربية والتعليم إلا انخراط عفوي غير مدروس في التنافس بين طبقات المجتمع وأيضًا ضمن انشغالات التونسي بتجويد ظروف رهاناته وأهدافه الخاصة إزاء التربية والتعليم. وفي الوقت نفسه تعتبر هذه السلوكات المجتمعية تدميرًا غير مقصود لأنظمة غذائية كانت موجودة على مدى قرون وأثبتت جدواها ولم تكن لها أية انعكاسات سيئة على صحة الإنسان التونسي.

وأفادت الدكتورة يسرى هتيرة، المتخصصة في التغذية العلاجيّة، بأن “بيع المكملات الغذائية على مواقع الإنترنت يسيء إلى صحة المواطن، لأنه من الممكن أن يشتري مواد لا يستحقها جسمه.”

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “المكمل الغذائي موجود أيضا في المحال التجارية الكبرى، وقانونيا أي مادة لا يأخذها المواطن باستشارة الطبيب قد يتضرر من تناولها.”

وتابعت هتيرة أن “بيع تلك المواد مثل الأعشاب المخصصة للتداوي، على مواقع التواصل الاجتماعي، فيه إساءة إلى نشاط الصيادلة، لأن تلك المواد قد تكون غير خاضعة للرقابة وقد يكون محتواها مضرّا بصحّة الفرد، وبالتالي من الأفضل أن يقيم الطبيب الحالة أوّلا ثمّ يقدم الوصفة المناسبة.”

بيع المكملات الغذائية على مواقع التواصل يسيء إلى صحة المواطن، لأنه من الممكن أن يشتري مواد لا يستحقها جسمه

ويؤكد مختصون أن المخاطر التي قد تترتب على استخدام المكملات الغذائية دون استشارة الطبيب قد تكون خطيرة إلى درجة أنها قد تسبب الوفاة.

ويمكن للمكملات الغذائية أن تساهم في مد الجسم بعناصر يحتاج إليها، كالفيتامينات والمعادن والأحماض، ولكن استخدامها لفترات طويلة أو بكميات كبيرة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية. فالاستخدام المستمر لبعض المكملات يمكن أن يتسبب في الإضرار بالكبد ومشاكل في الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وسيولة الدم، فضلًا عن تقليل فاعلية بعض الأدوية التي قد يتناولها المريض في الوقت نفسه، وفقًا لموقع “ويب طب”. كما يمكن أن تترتب على استخدام بعض المكملات بجرعات زائدة عن الحد المسموح به الإصابة بالتسمم.

وأفرزت التطورات الحديثة تغييراً في النظام الغذائي وأحدثت نمطاً سريعاً استدعى لجوء الأشخاص إلى تناول المكملات الغذائية لتعويض النقص الحاصل في الفيتامينات والمعادن.

ولأن المظهر الخارجي يعود على الإنسان براحة نفسية ويعزز ثقته بنفسه التي بدورها تلعب دورا رئيسيا في نجاحه الاجتماعي والمهني والعاطفي، توجه الشباب نحو الرياضة وبعضهم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إلى كمال الأجسام والعضلات المفتولة، التي تتطلب أنواعاً خاصة من البروتينات والحقن لتقوية العضلات وإبرازها، على الرغم من أنها قد تكون ضارة ونادرا ما تتسبب في الموت.

وينصح المختصون بتجنب تناول المكملات مع أدوية أخرى أو الجمع بين أنواع مختلفة منها، كما يجب دائما العمل على متابعة الأمر مع طبيب.

اختيار مناسب

وأظهرت دراسة حديثة أجريت في كندا زيادة ملموسة في أعداد المراهقين الذين يتناولون المكملات اللازمة لبناء العضلات، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تنطوي على مخاطر بالغة على صحة الشباب. ورصدت الدراسة التي أجريت في جامعة تورنتو الكندية تزايدا كبيرا في معدلات تناول مكملات مثل البروتين والكرياتين لدى هؤلاء.

وشملت الدراسة 912 متطوعا تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، وتوصلت إلى أن 60 في المئة من المشاركين أقروا بتناول ألواح البروتين بينما يتناول 50 في المئة مساحيق ومشروبات البروتين التي يشيع استخدامها باعتبارها من المكملات الغذائية لبناء العضلات، مع تزايد عدد الذكور الذين يتناولون هذه المكملات مقارنة بالنساء.

ويقول كايل جانسون رئيس فريق الدراسة “لقد كشف الفتيان والرجال المشاركون في الدراسة أنهم تناولوا ثلاثة أنواع من المكملات الغذائية على الأقل على مدار العام الماضي،” مضيفا في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية أن “هذه الأرقام توضح تزايد اهتمام الفتيان والرجال بالحصول على الجسم المثالي.”

وصرح نصف المشاركين في الدراسة بأن مواقع التواصل الاجتماعي كانت الدافع الأساسي وراء تناولهم هذه المكملات، وذكر نحو ثلث المشاركين أنهم كانوا يستقون معلوماتهم من مواقع الإنترنت، وأن احتمالات اللجوء إلى المتخصصين في الرعاية الصحية والتغذية قبل تناول هذه المواد تتزايد لدى النساء والفتيات، فيما تتجه الغالبية العظمى من الفتيان والرجال إلى منتديات الإنترنت طلبا للنصيحة وجمع المعلومات.

وأكد الباحثون ضرورة أن يتابع خبراء الصحة وصناع السياسات هذه الظاهرة باهتمام بغرض تحسين إستراتيجيات الصحة العامة وجهود التوعية وتشديد القواعد المنظمة لبيع هذه النوعية من المكملات.