فن

"ولاد رزق 3" أكشن مصري محبوك ينتهي على الطريقة الهندية


       

 تدور أحداث فيلم “ولاد رزق 3: القاضية” للمخرج المصري طارق العريان بعد مرور سنوات، حيث ينفصل بعض الأخوة في طرقهم الحياتية المختلفة، لكن في يوم من الأيام يعود شبح من الماضي ليلقي بظلاله على ولاد رزق، ما يجبرهم على العودة إلى حياة الجريمة والسرقة مرة أخرى حتى ينجوا بأنفسهم، في عملية مصيرية هي الأكبر والأخطر والأهم في تاريخ ولاد رزق

الفيلم من سيناريو صلاح الجهيني، وببطولة كل من أحمد عز وعمرو يوسف وآسر ياسين وكريم قاسم وعلي صبحي ومحمد ممدوح.

تقنيات مختلفة

يقدم سيناريو فيلم “ولاد رزق 3” حبكة معقولة تجمع بين الجريمة والإثارة مع عناصر درامية ترتكز على علاقات الأخوة، إذ تبدأ القصة بتأسيس أزمة رئيسية تتمثل في ضرورة تأمين مبلغ مالي كبير تحت تهديد خطير، يضع الشخصيات أمام خيارات صعبة تكشف عن أبعادهم النفسية وأولوياتهم الأخلاقية، وهذا يبرز تماسك الأخوة وعلاقاتهم المتشابكة مع تناص واضح مع مفهوم العائلة في عالم المافيا، حيث يجتمعون على هدف واحد رغم اختلافاتهم الشخصية وصراعاتهم الداخلية، وهذا التركيز على العائلة يمنح القصة بُعدًا إنسانيًا يوازن بين الجانب المظلم للجريمة وطبيعة الروابط العائلية.

ويعرف السيناريو بتنوّع البيئات الدرامية من شوارع القاهرة إلى الرياض لتقديم تسلسل أحداث متسارع مليء بالتشويق والمفاجآت، حيث يعتمد على تصعيد التوتر تدريجيًا، خصوصًا مع إدخال عناصر إضافية مثل الصراعات الثانوية والمطاردات المستمرة، بينما يعاني السيناريو من بعض الثغرات في منطق الأحداث، مثل فكرة السفر بأجهزة تفجيرية مربوطة بالأرجل، وهو ما قد يضعف من مصداقية القصة خاصة وأن هذه الفكرة لم تكن محبوكة وكأنها مسقطة وتتعمد تقديم حكايات متشابكة تُضيف تشويقًا للمشاهد لكن حدث فراغ بخصوصها.

يتقارب أسلوب الكتابة السيناريستية لصلاح الجهيني في فيلم “ولاد رزق 3” مع أعماله السابقة مثل “المطاريد” رغم أنه كوميدي وفيلم “122” وفيلم”الخلية” في استخدامه للمطاردات وحروب العصابات كأدوات درامية تدفع الأحداث إلى الأمام وتخلق توترًا مستمرًا، بينما يعتمد الجهيني في “ولاد رزق 3” على تركيب شبكة من الصراعات المعقدة بين الأخوة والخصوم، حيث يتم تنقلهم بين المدن وتتداخل المطاردات مع الأحداث الشخصية بشكل يشد انتباه الجمهور.

لكن في فيلم”المطاريد” رغم أنه كوميدي يعتمد الأسلوب نفسه في خلق الفضاءات، أما في “122”، يظل الجهيني مخلصًا لهذا الأسلوب، حيث تضاف المطاردات إلى أجواء الفيلم النفسية والدرامية، ما يجعل الصراع في المستشفى أكثر تشويقًا، كما يتقارب أيضًا مع “الخلية” في استخدام المطاردات كجزء من الصراع بين الأبطال والأعداء، ولكن في سياق أمني وعسكري، وهنا يتميز السيناريست في استخدام المطاردات ليس فقط كعنصر أكشن، بل كأداة لتطوير الصراع الداخلي للشخصيات، بحيث تكون المطاردة ليس فقط جسدية بل أيضًا معنوية وعاطفية.

ويتميز أسلوب المخرج طارق العريان في “ولاد رزق 3” باللمسة الأميركية في تقنيات التصوير، حيث يعتمد بشكل كبير على اللقطات البعيدة والمتوسطة لخلق إحساس بالمسافة بين الشخصيات والبيئة المحيطة بهم، ليُشعِر المشاهد بمساحات الحركة التي يجوبها أبطال الفيلم، كما يستخدم هذه اللقطات لتوسيع إطار المشهد لتظهر المطاردات والاشتباكات بشكل أكثر درامية ويعطي للمشاهد فرصة لرؤية تفاصيل البيئة بشكل شامل.

الفيلم يعرض بيئات درامية متنوعة من شوارع القاهرة إلى الرياض لتقديم تسلسل أحداث متسارع مليء بالتشويق والمفاجآت

ويعتمد العريان على الزوايا المرتفعة والمنخفضة بدقة، حيث تساهم الزوايا المرتفعة في إظهار الشخصيات وهي في موقع ضعيف أو في مواجهة تهديدات أكبر ليساعد على تعزيز الإحساس بالعجز أو التوتر، بينما تُستخدم الزوايا المنخفضة لتأكيد قوة الشخصيات في اللحظات الحاسمة، حيث ترفع من تمثيلهم البصري كأبطال يواجهون تحديات كبيرة، كما يعتمد على الزوايا المائلة بشكل خاص في مشاهد المطاردة بين شخصيات أولاد رزق وشخصية سلطان الغول، لتظهر حالة الاضطراب والصراع الداخلي في تلك اللحظات المشحونة بالعنف والتهديد ويعكس تشوش المشاعر والتوتر الذي يعيشه الأبطال في تلك المواجهات الدرامية.

ويستعمل المخرج طارق العريان في “ولاد رزق 3” كاميرا متحركة في أغلب تكوين اللقطات، كي يضيف حيوية وديناميكية إلى المشاهد، خصوصًا في لحظات المطاردات والأكشن، إذ تساعد هذه الكاميرا المتحركة على خلق الإحساس بالتوتر والحركة المستمرة وتتابع الشخصيات لسلاسة وسرعة، ليجعل المشاهدين يشعرون بأنهم جزء من الأحداث الجارية، فالتنقل السريع بالكاميرا بين الشخصيات والمواقف يزيد من واقعية المشهد ويزيد من التفاعل البصري مع تصاعد الإيقاع الدرامي.

وتستعين نهاية فيلم “ولاد رزق 3: القاضية” بتقنية الفلاش باك لإضفاء المزيد من الإثارة والتشويق على القصة، حيث تكشف عن تفاصيل غير متوقعة تخص شخصية سلطان الغول، وفي أحد المشاهد المثيرة يظهر أن شخصية سلطان الغول ليست كما كان يعتقد الجميع، بل هي مزورة ومبنية على خداع محكم، وهذه التقنية تسمح للمشاهدين بإعادة بناء الفهم حول الأحداث السابقة، وتكشف عن حقيقة

مؤامرة ولاد رزق مع رؤوف في زرع كاميرات مزيفة للإيقاع بالمعلم صقر، هذه الطريقة في استخدام الفلاش باك تشبه أسلوب المخرجة الهندية فرح خان في فيلم “عام جديد سعيد” الذي استخدم فيه شاروخان نفس حيلة الكاميرا المزيفة و تقنية الفلاش كمفاجأة ضخمة للمشاهد في اللحظات الأخيرة.

التمثيل والإنتاج

يبرز الأداء الرائع للممثل المصري أحمد الرافعي في دور سلطان الغول كواحد من أبرز نقاط القوة في الفيلم، جسد شخصية بقوة وحضور طاغٍ ومليئة بالتحديات النفسية والدرامية التي يعكسها ببراعة من خلال لغة جسده وتعبيراته، ما يجعل المشاهدين يتفاعلون مع هذا الدور كخصم قوي ومركب يقوّي أبعاد الصراع بين الشخصيات.

أما الممثل سيد رجب الذي جسد دور المعلم صقر، فقد أظهر براعة وتمكنًا في أداء الشخصية ذات الطابع القيادي والسلطوي ويجمع بين الحزم والدهاء في تجسيد هذه الشخصية القوية، ويساهم أداؤه في إضافة طبقات من التعقيد والعمق الدرامي، ويتمكن من توازن شخصيته بين القوة والحنكة، بينما قدم الممثل محمد ممدوح دور رؤوف أداءً رصينًا ومقبولًا للغاية، فممدوح ممثل يمشي بخطوات ثابتة، إذ يظهر في هذا الدور بمستوى من الاحترافية التي تليق بكبار الممثلين في مصر، ومن خلال حضوره الهادئ والرصين الذي يعكس ملامح الشخصية المتمسكة بالمبادئ رغم كل الظروف، ويمنح ممدوح الشخصية أبعادًا متعددة من خلال تفاصيل أدائه، وهذا يجعل حضور المتنوع في السينما يمثل إضافة قوية للعمل السينمائي.

ويشهد فيلم “ولاد رزق 3: القاضية” إنتاجا دقيقا وتقنيات محسوبة مع ذكاء المنتج المصري أحمد بدوي ومؤسس شركة فيلم سكور، الذي يعد من الشخصيات البارزة في صناعة السينما المصرية، إذ ساهم في إنتاج العديد من الأعمال الضخمة التي تصدّرت شباك التذاكر في مصر والعالم العربي، مثل أفلام “الفيل الأزرق” بجزأيه الأول والثاني و”كيرة والجن” و”تراب الماس” بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى.

ويمتلك أحمد بدوي خبرة تمتد لأكثر من 20 عامًا في مجال الإنتاج السينمائي، وهو شريك مؤسس لشركة سينرغي للإنتاج الفني، فمن خلال هذه الشركة ساهم في إنتاج العديد من الأعمال المميزة مثل “لص بغداد” و”الكويّسين” و”الأصليين” وبدأ مشواره الفني عام 2000 كمدير إنتاج ومنتج فني، حيث عمل على أفلام مثل “ليلة البيبي دول” و”عصابة الدكتور عمر.”

وأنتج أحمد بدوي أفلامًا ذات طابع عالمي مثل “الشوق” و”بعد الموقعة” الذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي، وقد تعاون مع العديد من نجوم الصف الأول مثل كريم عبد العزيز، أحمد عز، محمود عبد العزيز، نور الشريف، منة شلبي، وأحمد فهمي، مما جعله واحدًا من الأسماء الرائدة في صناعة السينما المصرية.